يشارك الأردن العالم يوم غداً الخميس الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الانسان والذي يصادف بتاريخ العاشر من شهر كانون الأول من كل عام، وهو اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة في عام 1948 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وجاء الاحتفال لهذا العام تحت شعار: "إعادة البناء بشكل أفضل -الدفاع عن حقوق الإنسان"، وذلك نظراً لتداعيات جائحة فيروس كورونا.
ويأتي الاحتفال بهذا اليوم نظراً للحاجة إلى إعادة البناء والتعافي بشكل أفضل وتعزيز المجتمعات لتكون أكثر مرونة وعادلة، من خلال ضمان أن حقوق الإنسان هي محور جهود التعافي من تداعيات جائحة فيروس كورونا، حيث أن العالم سيصل لأهدافه المشتركة عبر خلق فرص متكافئة للجميع، ومعالجة الإخفاقات التي كشفتها واستغلتها الجائحة، وتطبيق معايير حقوق الإنسان للتصدي لأوجه عدم المساواة والإقصاء والتمييز المتجذرة بين الأجيال.
وأكدت الامينة العامة للمجلس الأعلى للسكان الدكتورة عبلة عماوي أن المجلس يولي هذه المناسبة اهتماماً خاصاً، حيـث ترتبـط أهـدافه الاستراتيجية بأهـداف التنميـة المسـتدامة، وتقع حقوق الانسان في جميع هذه الاهداف، ولا يمكن دفع عجلة التنمية المستدامة في ظل غياب الكرامة الإنسانية.
وبينت عماوي انه وعلى الصعيد العربي والعالمي حاز الأردن على اعتراف دولي بانه الأول عربياً في حقوق الإنسان، وحصل على تصنيف متقدم عالمياً باحتلاله المرتبة 78 على مستوى العالم، وذلك بحسب التقرير الذي أصدره معهد كاتو، ومعهد فريزر، ومعهد الليبراليين التابع لمؤسسة فريديريش نومان للحرية عام 2015، حيث تكتسب هذه التصنيفات أهمية لأنها صادرة عن ثلاث مؤسسات مجتمع دولية مستقلة.
وأشارت إلى انه وعلى الرغم من هذا الإنجاز على المستوى العربي والعالمي، الا أن المرأة الاردنية ما تزال لا تملك حق إعطاء جنسيتها إلى ابناءها، وأن القانون لم يعطيها أيضاً الحق بمنح ابنها أو زوجها حق الاقامة في الأردن، إلى جانب فقدان الام الحق في حضانة أولادها اذا تزوجت، حيث اشترط القانون في مستحق الحضانة إذا كان من النساء أن لا تكون متزوجة بغير محرم من الصغير، فضلاً عن وجود العديد من الانتهاكات الحقوقية التي تتعرض لها النساء.
وأضافت انه وعند مراجعة القوانين المختلفة فإن جزءاً منها قد خلى من وجود تدابير فعّالة ولازمة لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من الوصول إلى المرافق والخدمات المختلفة أسوة بغيرهم من المواطنين، حيث أن قانون الحماية من العنف الأسري والقوانين الخاصة بضمان حق الحصول على المعلومات والكثير من التعليمات الخاصة بالوزارات والمؤسسات الحكومية، لم تورد في نصوصها أي تدابير فعّالة تُمكن هذه الفئة من الحصول على الخدمات المختلفة.
وأوضحت عماوي انه وفي مجال عمل الأشخاص ذوي الإعاقة والممارسات العملية في تطبيق القوانين في هذا الصدد، نجد أن الواقع الفعلي يؤكد تدني نسبة تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة سواء في القطاع العام أو الخاص، وتشير التقديرات إلى أن نسبة تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع العام لا تزيد عن 1.0%، وبلغت غي القطاع الخاص 0.5%، مبينة أن هناك أيضاً تمييزاً واضحاً ضد الأشخاص ذوي الإعاقة وذلك عندما نصت المادة الرابعة من قانون الجنسية الأردنية عند شرط منح الجنسية والحصول عليها "أن يكون سليم العقل غير مصاب بعاهة تجعله عالة على المجتمع"، هذا النص استثنى هذه الفئة من حقهم في الحصول على الجنسية عند اشتراط المشرّع أن لا يكون لدى مقدم الطلب للحصول على الجنسية عاهة تجعله عالة على المجتمع.
وأشارت أن الدستور الأردني كفل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطنين، حيث تنص المواد من (5-32) من الدستور الأردني على حقوق الأردنيين وواجباتهم، والتي تشكل ضمانات دستورية لإرساء مبادئ حقوق الانسان وصونها وحمايتها بموجب منظومة تشريعية تراعي ما تضمنه الدستور وتكفل التطبيق الفعلي له، مبينة أن الاردن كان سباقاً في المصادقة على جميع الاتفاقيات الدولية لضمان حقوق وحريات الانسان الأساسية.
ولفتت عماوي إلى أن من أبرز الحقوق المدنية والسياسية التي كفلها الدستور، الحق في الانتخاب والترشح، والحق في تسجيل النقابات والجمعيات والأحزاب والانضمام اليها، حيث بلغ عدد النقابات العمالية المهنية في الأردن 31، في حين بلغ عدد الجمعيات 4869، وبحسب تقريرٍ للمركز الوطني لحقوق الإنسان عام 2018 فإن عدد المنتسبين للأحزاب في الأردن بلغ 34957 منتسباً.
وبينت أن هناك أيضاً العديد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي كفلها الدستور للمواطن الأردني منها، الحق في العمل لجميع المواطنين، حيث بلغت نسبة المشاركة الاقتصادية المنقح 34.3% منها 54% للذكور و14% للإناث، كما كفلت التشريعات الوطنية والمواثيق الدولية وعلى رأسها الدستور الأردني الحق في التعليم، حيث بلغ عدد المدارس في المملكة 7434 مدرسة بحسب التقرير الاحصائي لوزارة التربية والتعليم (2018-2019)، وبلغ عدد الطلبة 2,114,719 طالب وطالبة.
وأضافت عماوي أن الدستور كفل أيضاً حرية الابداع الثقافي وحرية البحث العلمي ضمن الحقوق الثقافية، حيث بلغ عدد الهيئات الثقافية المسجلة لدى وزارة الثقافة 672 في عام 2018، مبينة انه وبالرغم من ذلك الا أن ثقافة البحث العلمي وثقافة الابداع والابتكار شهدت غياب لدى اغلبية فئات المجتمع وطلبة الجامعات والمدارس، وبلغ عدد البحوث المنشورة في مجلات محكمة 298 في عام 2018، في حين وصل الأردن في سجلات البحث العلمي إلى المرتبة 79 عالمياً والتاسع عربياُ فيما يتعلق ببند الابتكار في عام 2019.
وفي مجال التحديات التي تواجه الأردن بالتقدم بقضايا حقوق الإنسان على الصعيد السياسي والأمني وعلى الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، أوضحت عماوي انه وبحسب ما قدمه الاردن في الاستعراض الدوري الشامل لعام 2018، فقد شملت التحديات على الصعيد الأمني والسياسي، عدم التوصل لحل للقضية الفلسطينية مما يسهم في زيادة التأثريات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية على المملكة، واستمرار الازمة السورية واستضافة الاردن لعدد كبير من الاشقاء السوريين، بالإضافة إلى التهديدات الإرهابية التي تستهدف الأردن بسبب موقعه الجغرافي ومواقفه السياسية الثابتة والقائمة على الاعتدال والتطورات في المنطقة.
وشملت التحديات على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، وجود ضغوطات كبيرة ناتجة عن استضافة اللاجئين السوريين تؤثر على كافة مناحي الحياة والبنية التحتية خاصة في قطاع المياه والصرف الصحي والصحة والتعليم والخدمات البلدية، بالإضافة إلى الأعباء المترتبة على الخزينة العامة وتحديات سوق العمل الناتجة عن التواجد السوري وانتشار البطالة والفقر بسبب قلة الموارد الاقتصادية، إلى جانب قلة الموارد المائية والتغيرات المناخية التي تواجه الاردن، بالإضافة إلى الحاجة لتوفير الموارد والخبرات اللازمة لتنفيذ محاور واهداف التنمية المستدامة ومؤشراتها المرتبطة بحقوق الانسان، وأيضا لنشر ثقافة حقوق الانسان.
ولفت المجلس في البيان إلى أن جائحة فيروس كورونا ضربت المجتمعات كافة في صميمها، وهدّدتها على المستوى الطبي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، كما سلّطت الضوء على مواضع ضعف جديدة ومتفاقمة، قد تؤدّي إلى إهمال المزيد من الناس وعدم شمولهم في الجهود المبذولة، مبيناً أن شعار هذا العام "إعادة البناء بشكل أفضل -الدفاع عن حقوق الإنسان"، يعني تعزيز التزامنا بحقوق الإنسان وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومعالجة أوجه عدم المساواة ضمن البلدان وفيما بينها، وإنشاء أنظمة حماية صحية واجتماعية شاملة، ومعالجة التدهور البيئي، وتعزيز المؤسسات، ومعالجة الانتهاكات الهيكلية لحقوق الإنسان التي غذت تفشّي جائحة فيروس كورونا وأدّت إلى تفاقمه، ومعالجة حالة الطوارئ المناخية بشكل عاجل، وإنشاء عالم عادل وشامل ومتساوٍ، ليكون أكثر قدرة على المواجهة والصمود، وأكثر استعدادًا لمواجهة الأزمات المستقبلية.
وأشار المجلس إلى أن المرأة في الاردن كانت من أكثر المتضررين من جائحة فيروس كورونا، حيث تتحمل المرأة أعباء الرعاية سواء للأطفال أو المسنين أو المرضى أو من ذوي الاحتياجات الخاصة وتزداد الضغوط عليهن في أوقات الطوارئ والأزمات، إلى جانب التحديات التي تحد من وصولهن لخدمات الصحة الإنجابية والجنسية، كما تشكل النساء النسبة الأكبر من العاملين في القطاع الاقتصادي غير المنظم، والذي يتأثر بصورة مباشرة من الجائحة، فضلاً عن الخسائر الجسيمة في قطاعات التصنيع والخدمات والتي تتركز بها النساء، ما يجعلهن أكثر عرضة لفقدان وظائفهن.
وبين المجلس أن الاخفاقات الممنهجة في أنظمة الرعاية الصحية، حتى في أقوى الدول وأغناها، مع عدم المساواة بين الناس في الحقوق الأساسية مثل التعليم والصحة، بينت الفوارق الكبيرة بين طبقات المجتمع نفسه، وستزداد هذه الفجوة أكثر بعد عودة الناس إلى حياتهم العادية، وذلك بسبب تداعيات الجائحة وآثارها على الطبقات المتوسطة والفقيرة، مبيناً أن العالم واجه تحديات عديدة اقتصادية واجتماعية وبيئية خلال الجائحة والتي تأثر بها الجميع، ولكن هناك فئات متضررة أكثر من غيرها كذوي وذوات الإعاقة وكبار السن والنساء والأطفال واللاجئين، وكذلك عمال المياومة الذين يعتبرون أكثر الفئات التي تضررت اقتصادياً.