"المجلس الأعلى للسكان": جائحة فيروس كورونا لم تؤدي إلى ارتفاع أعداد المواليد في الاردن، ولم تكن سبباً وحيداً في انخفاض أعدادهم

أكدت الامينة العامة للمجلس الأعلى للسكان الدكتورة عبلة عماوي أن الأردن شهد منذ منتصف القرن العشرين تغيرات جوهرية في كافة الجوانب المجتمعية وخاصة في الجوانب الديموغرافية التي كانت عرضة لتغيرات متسارعة في عناصر النمو السكاني (المواليد والوفيات وصافي الهجرة)، مما أدى إلى انتقال المجتمع السكاني في الأردن من مستويات الإنجاب المرتفعة إلى مستويات متدنية، شكلت في مجموعها مؤشراً نحو دخول الأردن في مرحلة الانتقال الديموغرافي وما يترتب على ذلك من فرصة سكانية تتميز بالانخفاض الجوهري في نسبة صغار السن من السكان وتزايد كبير في نسبة السكان في الأعمار المنتجة، ومن أهم ملامح هذا التغير هو انخفاض نسبة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة، وتزايد نسبة السكان في أعمار القوى البشرية (15-64 سنة)، فقد انخفضت نسبة السكان دون سن 15 سنة من 50% حسب التعداد العام للسكان والمساكن 1979 إلى 34.6% حسب التعداد العام للسكان والمساكن 2015، وتشير التقديرات أن النسبة وصلت إلى 34.3% عام 2020 بما يقارب 3.7 مليون نسمة، وتعتبر نسبة ما يشكله الأطفال حالياً نسبة مرتفعة ما يعني توقع المزيد من النمو في عدد السكان.

وبينت عماوي أن الانجاب كان له الدور الأكبر في التغير السكاني في الأردن، نتيجة للانخفاض المتواصل الذي شهده معدل الإنجاب الكلي خلال الفترة الزمنية (1976-2018)، إذ انخفض المعدل من (7.4) طفل للمرأة في عام 1976 إلى (5.6) طفل للمرأة في عام 1990 وإلى (4.4) طفل للمرأة في عام 1997 وإلى (3.7) طفل للمرأة في عام 2002 وإلى (3.6) طفل للمرأة عام 2007، وإلى (3.5) طفل للمرأة في عام 2012 وإلى (2.7) طفل للمرأة في عام 2018، وتشير هذه المعطيات إلى أن معدل الإنجاب الكلي فقد (40.5 %) من قيمته بين عامي (1976 و1997)، وفقد حوالي (53%) من قيمته بين عامي (1976 و2012) و(63.5 %) بين عامي (1976 و2017/2018).

ولفتت إلى أن الانخفاض الملموس في معدل الإنجاب الكلي في الأردن عبر الزمن يعود إلى عدة أسباب من أبرزها ارتفاع المستوى التعليمي للإناث، حيث ارتفعت نسبة النساء اللواتي أعمارهن (15-49) سنة ويحملن مؤهل علمي ثانوية فأكثر من 54% في عام 1990 إلى 75.6% عام 1997، وإلى 88.7% عام 2007، وإلى 90.1% عامي 2009 و2012، وإلى 90.8% عام 2017/2018، مبينة أن من الأسباب أيضاً ارتفاع العمر وقت الزواج الأول، حيث ارتفع وسيط العمر وقت الزواج الأول للنساء في الأعمار (25-49 سنة) من 19.6 سنة عام 1990 إلى 21.5 سنة عام 1997 وإلى 21.8 سنة عام 2002 وإلى 22.2 سنة عام 2007 وإلى 22.4 سنة عامي 2009 و2012 وإلى 22.7 عام 2017، أي بفارق 3.1 سنة بمقارنة عام 1990 بعام 2017، كما ارتفع متوسط العمر وقت الزواج الأول للإناث خلال العشر سنوات الماضية من 25.8 سنة عام 2011 إلى 26.6 سنة عام 2019، كما ارتفع أيضاً لدى الذكور من 29.7 سنة عام 2011 إلى 31 سنة عام 2019، وقد ساهم ذلك في انخفاض نسبة المتزوجات (15-49 سنة) المعرضات للحمل والإنجاب، فقد انخفضت نسبة السيدات في الفئة العمرية (15-49) سنة اللاتي سبق لهن الزواج (5.5) نقاط مئوية بين عامي (1976) و(2017)، من (65.7 %) في عام (1976) إلى (60.2%) في عام (2017)، وكان الانخفاض الأكبر في نسبة اللاتي سبق لهن الزواج في الفئة العمرية (20-24سنة) حيث انخفضت النسبة من (64%) في عام 1976 إلى (35.2%) في عام 2017، وكذلك في الفئة العمرية(25-29 سنة) حيث انخفضت النسبة من (87.4%) في عام 1976 إلى (68.1 %) في عام 2017، ويعزى السبب في انخفاض هذه النسب إلى العديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية من أهمها ارتفاع تكاليف الزواج وتكاليف المعيشة ومتطلبات تكوين الأسرة بما فيها السكن، بالمقارنة مع الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب والشابات، وزيادة الميل نحو مواصلة التعليم لسنوات أطول وبخاصة بين الإناث.

وأضافت أن من الأسباب أيضاً التي ساهمت في الانخفاض الملموس في معدل الإنجاب الكلي في الأردن عبر الزمن، تزايد استخدام وسائل تنظيم الأسرة، إذ ارتفعت نسبة السيدات المتزوجات حالياً اللاتي يستعملن وسائل تنظيم الأسرة من (35%) في عام 1990 إلى (53%) في عام (1997) وإلى (56%) في عام (2002) وإلى (57%) في عام (2007) وإلى (59%) في عام (2009) وإلى (61 %) في عام (2012)، ثم انخفضت إلى (52%) عام 2017.

وتشير دراسة للإنجاب على بيانات مسح السكان والصحة الأسرية للمملكة عام 2012 إلى أن عدم الزواج للنساء في سن الإنجاب قد ساهم بأكثر من ثلث قيمة الانخفاض في معدل الخصوبة في عام 2012، في حين ساهم استعمال وسائل تنظيم الأسرة بالثلث الآخر في انخفاض الذي شهده معدل الخصوبة، حيث يعتبر ذلك مؤشراً على دور هذه العوامل في التأثير على الإنجاب في الأردن.

وأوضحت عماوي انه لا يعني انخفاض معدلات الإنجاب بالضرورة انخفاض حاد في عدد الولادات السنوية، ويعود السبب في ذلك إلى أن القاعدة السكانية خاصة عدد الفتيات والنساء الأردنيات المقيمات في المملكة في سن الإنجاب (15-49 سنة) أصبحت كبيرة ويشكلن القوة الدافعة للإنجاب في المستقبل، إذ بلغ عددهن حسب نتائج التعداد العام للسكان والمساكن 2015 (1.7) مليون أنثى، وحسب السيناريو المنخفض في الإسقاطات السكانية (2015-2050) سيرتفع العدد إلى (1.9) مليون عام 2020، وإلى (2.2) مليون عام 2030 و (2.5) مليون عام 2050، حيث ستنخفض عدد الولادات الأردنية وفقاً للإسقاطات السكانية (2015-2050) وحسب السيناريو المنخفض من 175224 مولود عام 2015 إلى (171353) مولود عام 2020 وإلى (164216) مولود عام 2024 وإلى (147120) مولود عام 2030 وإلى (160467) مولود عام 2040 وإلى (161484) مولود عام 2050.

وبحسب بيانات دائرة الأحوال المدنية والجوازات لأعداد المواليد والمحدثة لتاريخ 9/2/2021 فقد اتجهت أعداد المواليد الأردنيين خلال الإحدى عشر سنة الماضية إلى التذبذب بين الانخفاض والارتفاع فقد انخفضت من (190419) مولود عام 2010 إلى (175492) مولود عام 2013، ثم عادت إلى الارتفاع لتصل (192802) مولود عام 2017، ثم اتجهت إلى الانخفاض لثلاث سنوات متتالية 2018، 2019، 2020، حيث انخفضت إلى (164158) مولوداً عام 2020، ويشكل المستوى الحاصل في عدد المواليد عام 2020 المستوى المتوقع لعدد المواليد الأردنيين عام 2024 حسب الإسقاطات السكانية، أي بتقدم في انخفاض عدد المواليد لأربع سنوات بالمقارنة مع الإسقاطات السكانية.

وأضافت عماوي أن تأخر سن الزواج يلعب دور كبيراً في هذا الانخفاض، حيث اتجهت نسبة من سبق لهن الزواج في الفئة العمرية (20-24 سنة) إلى الانخفاض خلال الفترة (2010-2020)، فقد انخفضت من 33.2% عام 2010 إلى 28.4% عام 2015 وإلى 26.6% عام 2017 وإلى 23.1 عام 2018 وإلى 22.7% عام 2019 ، ووصلت إلى حوالي 20.1% في الربعين الثاني والثالث من عام 2020 وبفارق (13) نقطة مئوية بالمقارنة مع عام 2010، كما اتجهت نسبة من سبق لهن الزواج في الفئة العمرية (25-29 سنة) إلى الانخفاض خلال الفترة 2010 إلى 2020، فقد انخفضت من (78% -79.8%) في الفترة 2010-2014 إلى 75% عام 2016 وإلى 64.8% عام 2017 وإلى 62.2% عام 2018 وإلى 60.6% عام 2019 وإلى 56.6% في الربعين الثاني والثالث من عام 2020، وبفارق (23.2) نقطة مئوية بالمقارنة مع الفترة 2010-2014.

news&events

وبينت أن اتجاه المواليد الأجانب في الأردن سجل اتجاهاً صاعدا خلال الفترة (2010-2017) وصل ذروته عام 2017، إذ ارتفع عدد المواليد من (13018) مولود عام 2010 إلى (34314) مولود عام 2017 مدفوعاً بوجود الأشقاء السورين في الأردن واتجاهاتهم حول الزواج بشكل عام والزواج المبكر بشكل خاص، وقد اتجه بعد ذلك إلى الانخفاض لثلاث سنوات على التوالي، فقد انخفض إلى (32692) عام 2018 وإلى (30076) عام 2019 وإلى (25845) عام 2020، وبمعدل انخفاض سنوي يقدر ب 8.9%، موضحة أن الانخفاض في أعداد المواليد الأجانب قد يعزى إلى الجهود الوطنية في مجال التوعية خصوصاً في مجال الحد من الزواج المبكر، بالإضافة إلى العوامل الأخرى المرتبطة في تأخير سن الزواج، فقد انخفضت نسبة من سبق لهن الزواج في الفئة العمرية (15-19 سنة) من 18.8% عام 2017 إلى 15% عام 2019، وانخفضت نسبة من سبق لهن الزواج في الفئة العمرية (20-24 سنة) من 56% عام 2017 إلى 55.5% عام 2019، كما انخفضت نسبة من سبق لهن الزواج في الفئة العمرية (25-29 سنة) من 76.6% عام 2017 إلى 74.1% عام 2019.

وأشارت الامينة العامة للمجلس الأعلى للسكان انه وفي محاولة لرصد أثار جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) على أعداد المواليد في الأردن، وحسب بيانات دائرة الأحوال المدنية والجوازات لأعداد المواليد حسب الأشهر لسنة 2020 والمحدثة لتاريخ 9/2/2021، ومقارنتها بما يقابلها من أعداد المواليد حسب الأشهر لعام 2019، فقد اتجهت أعداد المواليد الأردنيين إلى الانخفاض على امتداد 12 شهر لسنة 2020 مقارنة بعام 2019، إلا أن حدة الانخفاض في أعداد المواليد في شهر كانون أول والذي يسجل ولادات الأحمال في شهر أذار 2020 (بدايات الحظر في جائحة فيروس كورونا بالأردن)، كانت اعلى من باقي الأشهر، فقد انخفضت من (14506) ولادة في شهر كانون أول عام 2019 إلى (12946) ولادة في شهر كانون أول 2020، بنسبة انخفاض بلغت 10.8%، وذلك خلافاً للتوقعات، حيث كان من المتوقع ارتفاع أعداد المواليد في هذا الشهر جراء الحظر الذي بدأ في 21 أذار 2020.

وأضافت انه وكذلك لم يكن اتجاه أعداد المواليد الأجانب عام 2020 حسب الأشهر مقارنة بأعداد المواليد حسب الأشهر لعام 2019 مخالفاً لاتجاه أعداد المواليد الأردنيين حسب الأشهر في عامي 2019 و2020، فقد سجل عدد المواليد الأجانب عام 2020 انخفاضاً على مدار 12 شهراً، كما سجل انخفاضاً في أعداد المواليد في شهر كانون أول عام 2020 بالمقارنة مع أعداد المواليد لنفس الشهر في عام 2019، فقد بلغ عدد المواليد الأجانب في شهر كانون أول 2019 (2371) مولوداً في حين بلغ عدد المواليد لنفس الشهر عام 2020 (2131) مولود، مسجلاً انخفاضاً بما نسبته 10.1%، وذلك أيضاً خلافاً للتوقعات.

وبينت عماوي انه كان من المتوقع أن يتزايد أعداد المواليد خلال فترة الحجر الصحي والإغلاق الاقتصادي المترتبة على تفشي جائحة فيروس كورونا في الأردن، بسبب ضعف الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية، وخصوصاً خدمات تنظيم الأسرة خلال فترة الحظر الشامل، لكن ما حدث العكس هو استمرار اتجاه أعداد المواليد بالانخفاض، ويُمكن القول أن جائحة فيروس كورونا لم يكن سبباً في ارتفاع أعداد المواليد في الأردن كما لم يكن سبباً وحيداً في انخفاض أعداد المواليد في شهر كانون أول 2020، وربما كانت الجائحة سببًا إضافيًا لانخفاض أعداد المواليد في شهر كانون أول 2020، مستدلين بذلك بالمؤشرات التي أظهرت تراجعًا ملحوظًا في أعداد المواليد على مدار السنوات الماضية وحتى قبل انتشار كورونا، ويمكن أن تكون تداعيات الجائحة وما ترتب عليها من سوء الأحوال الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة أدت إلى إعادة تفكير الأسرة بشكل معمق في عواقب ولادة طفل جديد في ظل ظروف الأزمة وتداعياتها.

news&events

وتتفق هذه الاستنتاجات مع العديد من الدراسات والتقارير العالمية حول اثر جائحة كورونا على انخفاض أعداد المواليد؛ فقد بينت دراسة نفذها باحثون إيطاليون حللوا بيانات من إيطاليا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا والمملكة المتحدة، تخلي الكثير من الناس عن خططهم لإنجاب الأطفال خلال إجراءات الإغلاق الصارمة التي تم تنفيذها في آذار ونيسان من عام 2020، وفي تقرير أخر استند على إحصاءات وزارة الأمن العام في الصين أشار الى إن عدد المواليد الجدد في الصين انخفض بنسبة 15٪ في عام 2020 مقارنة بعام 2019 مع ظهور فيروس كورونا الجديد الذي عطل الاقتصاد وأثر على قرارات تكوين أسرة، وفي تقرير أخر أوردته مؤسسة بروكينغز، والذي يشير إلى أن عدد الأطفال المولودين في ولايات كاليفورنيا وأريزونا وهاواي وأوهايو الأمريكية في عام 2020 انخفضت إلى أكثر من 50000 ولادة بالمقارنة مع عام 2019.

ويتابع المجلس الأعلى للسكان الذي يعد المرجعية الوطنية لقضايا السكان عن كثب التغيرات الديموغرافية في الأردن، وتقييم أثار السياسات والبرامج السكانية على الهيكل العمري للسكان والخصائص السكانية، وخصوصاً سياسات وبرامج تنظيم الأسرة الهادفة الى تحقيق العائد الديموغرافي الناتج عن الانخفاض في نسبة صغار السن من السكان وتزايد في نسبة السكان في الأعمار المنتجة، وانخفاض معدلات الإعالة، كما يتابع اثأر جائحة فيروس على ديناميكيات السكان، ويعتبر أن جائحة فيروس كورونا لم تكن سبباً في ارتفاع أعداد المواليد، كما لم تكن سبباً وحيداً في انخفاض أعداد المواليد في الأردن.