الرضاعة الطبيعية حق لجميع المواليد

 وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ (سورة البقرة، 233)

الاستغناء عن الرضاعة الطبيعية يضر بصحة الأمهات والأطفال ويزيد من نفقات الوالدين

يجب القضاء على الترويج المحظور لحليب الرضع

استهلاك حليب الرضع المصنع سبب في تغير المناخ والتدهور البيئي

خُصص الأسبوع الأول من شهر آب من كل عام للرضاعة الطبيعية التي تعرف اليوم اهتمامًا متزايدًا، وحمل هذا العام شعار "اغلاق الفجوة: الرضاعة الطبيعية للجميع"، حيث  توجد حاجة إلى تعزيز ودعم ممارسة الرضاعة الطبيعية المطلقة لما لها من فوائد صحية واقتصادية واجتماعية كبيرة. فالرضاعة الطبيعية أحد أفضل الاستثمارات لتجنب الوفيات بين الأطفال الرضع، ولتحسين صحة الأمهات والمواليد، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية للأفراد والدول[1]. لذا، فإن دعم وتشجيع الرضاعة الطبيعية يجب أن يكون من أولويات السياسات الصحية والاجتماعية في كل مجتمع.

تدني ممارسة الرضاعة الطبيعية المطلقة في الأردن

في الأردن 24% فقط من الأطفال دون سن 6 أشهر ما زالوا يعتمدون على الرضاعة الطبيعية المطلقة، وأن 34% من المواليد تم البدء بإرضاعهم خلال الساعة الأولى بعد الولادة. بالإضافة إلى ذلك، يتم تغذية 42% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6-23 شهرًا بالحد الأدنى من التنوع الغذائي. وانخفضت نسبة الاقتصار على الرضاعة الطبيعية المطلقة بين الأطفال في الفئة العمرية (0-5) شهور بشكل ملحوظ، حيث تراجعت من 39% إلى 24% خلال العقود الثلاثة الماضية. يمكن أن يُعزى هذا التراجع إلى عدة عوامل، منها نقص الوعي بفوائد الرضاعة الطبيعية، الاعتقاد غير الصحيح أن الحوامل اللواتي أنجبن بولادة قيصرية لا يمكنهن إرضاع مولودهن، انتشار الثقافات والممارسات التي تفضل الحليب الصناعي بسبب ضعف الرقابة على الترويج التجاري لهذا الحليب، وعدم توفر الدعم الكافي للأمهات العاملات.

تشير اتفاقية حقوق الطفل إلى أنّ لكل رضيع ولكل طفل الحق في تغذية جيدة، إلا أنه على المستوى العالمي يقف سوء التغذية وراء 45% من وفيات الأطفال. ويعاني 41 مليون طفل من فرط الوزن أو السمنة. وهناك نحو 40% فقط من الرضّع من الفئة العمرية 0-6 أشهر ممّن لا يُغذون إلاّ عن طريق الرضاعة الطبيعية. ولا يتلقى إلا القليل من الأطفال الأغذية التكميلية المأمونة والمناسبة من الناحية التغذوية؛ وفي كثير من البلدان، لا يستوفي إلا أقل من ربع الأطفال من الفئة العمرية 6-23 شهراً ممّن يرضعون حليب أمهاتهم المعايير الخاصة بتنويع النظام الغذائي وتواتر التغذية المناسبة لأعمارهم.[2]

 

كيف تحد الرضاعة الطبيعية من الفقر؟

تعتبر الرضاعة الطبيعية وسيلة فعالة في المساهمة في الحد من الفقر، حيث تساهم في تقليل نفقات الأسرة على شراء الحليب الصناعي والتجهيزات المرتبطة به. مما يخفف العبء المالي على الأسر. بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام بدائل حليب الرضع يتطلب كميات كبيرة من المياه لإعداد الحليب وتنظيف الزجاجات والتجهيزات المعرضة للتلوث، كما أن الرضاعة الطبيعية تقلل من احتمالات الإصابة بالأمراض للأطفال الرضع، مما يقلل من تكاليف الرعاية الصحية. علاوة على ذلك، تحسن الرضاعة الطبيعية الصحة العامة للأطفال مما يزيد من فرصهم في النمو بشكل صحي والنجاح في المستقبل.

وتشير تقديرات البنك الدولي أن الجهود المبذولة لتعزيز وحماية الرضاعة الطبيعية تكلف ما يقدر بنحو 0.6 مليار دولار سنوياً على مستوى العالم مقابل عوائد اقتصادية محتملة تصل إلى حوالي 30 مليار دولار سنوياً على مدى السنوات العشر القادمة، وهذا عائد يصل الى حوالي 35 دولار على كل دولار واحد تم استثماره في تعزيز الرضاعة الطبيعية  وحمايتها.[3]

كيف تساهم الرضاعة الطبيعية في المحافظة على البيئة؟

تشكل أنظمة إنتاج الغذاء وأنماط استهلاك حليب الرضع عاملين مهمين في التغير المناخي والتدهور البيئي. تعتمد صناعة الحليب الصناعي على عمليات إنتاج كثيفة الاستخدام للطاقة والموارد، تشمل تربية الأبقار لإنتاج الحليب، ومعالجة وتصنيع الحليب إلى بدائل صناعية، وتغليفها وشحنها عبر العالم. هذه العمليات تستهلك كميات كبيرة من المياه والطاقة، وتؤدي إلى انبعاثات غازات الدفيئة، مما يسهم في تغير المناخ. بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام بدائل حليب الرضع يتطلب تغليفًا بلاستيكيًا وزجاجات، مما يزيد من التلوث البلاستيكي والتدهور البيئي. في المقابل، تساهم الرضاعة الطبيعية في تقليل هذا الأثر البيئي، حيث لا تحتاج إلى تصنيع أو تعبئة أو نقل، مما يجعلها خيارًا مستدامًا وصديقًا للبيئة. تعزيز الرضاعة الطبيعية يمكن أن يكون خطوة مهمة نحو حماية البيئة وتقليل التأثيرات السلبية لتغير المناخ.[4]

العوائد الصحية لحليب الأم عليها وعلى مولودها

 تعتبر الرضاعة الطبيعية ضرورية لصحة الطفل والأم على حد سواء، فهي لا تقتصر على تقديم الغذاء المثالي للرضع فحسب، بل توفر أيضًا مجموعة من الفوائد الصحية للأمهات. فبالنسبة للأطفال، يُعد حليب الثدي الغذاء المثالي خلال الأشهر الستة الأولى من حياتهم، وبعد هذه الفترة يُنصح بإضافة الأطعمة التكميلية المناسبة مع الاستمرار في الرضاعة من الأم. يحتوي حليب الثدي على مكونات واقية تساعد على تعزيز جهاز المناعة لدى الطفل، إنزيمات نشطة تساعد على الهضم، وعوامل تمنع العدوى. الرضاعة الطبيعية تقلل من خطر التهابات الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي، والتهاب الأذن الوسطى، وتساهم في نمو الفك والأسنان بشكل صحي، وتقلل من خطر الإصابة ببعض الأمراض المزمنة، وتقي من الحساسية والطفح الجلدي، كما تدعم النمو الروحي والجسدي والذكاء للطفل. بالإضافة إلى ذلك، يبكي الأطفال الذين يرضعون من الثدي أقل، لأن الحليب دائماً معقم وفي درجة الحرارة المثالية. ومن الملاحظ، لدى البالغين الذين استفادوا من الرضاعة الطبيعية في مرحلة الطفولة انخفاض معدلات فرط الوزن والسمنة. إن الأطفال الذين تمتعوا برضاعة طبيعية في طفولتهم يحققون نتائج أفضل في اختبارات الذكاء.

بالنسبة للأمهات، تسهم الرضاعة الطبيعية في تقليل احتمالات الإصابة بسرطان الثدي وسرطان المبيض، وتزيد من مقاومة هشاشة العظام في المراحل اللاحقة من الحياة كون الرضاعة الطبيعية تساهم في تعزيز امتصاص الكالسيوم في الجسم. كما أنها تحمي الأم من فقر الدم لأنها تساعد على استعادة الرحم وضعه ووقف النزيف فتقلل من فقدان الدم المفرط وتأخير عودة الدورة الشهرية بعد الولادة وبالتالي تعتبر وسيلة طبيعية من وسائل تنظيم الإنجاب، إلا أن قصر مدة الرضاعة الطبيعية المحضة في الأردن  يجعل مدة توقف الطمث في فترة ما بعد الولادة قصيرة وفرص الاعتماد على هذا كوسيلة لتجنب حمل مبكر بعد الولادة سلوك غير فعال، ويستخدم مصطلح "LAM" لوصف جميع النساء اللواتي أشرن إلى الطريقة مباشرة أو بشكل غير مباشر لاستخدام هذه الطريقة. حيث استخدمت النساء هذه الطريقة في الأشهر الستة الأولى من الولادة وبنسبة 0.4% فقط[5]. أن  الأمهات المرضعات يفقدن الوزن بسهولة أكبر بعد الحمل، ولا توجد مشكلة في التحضير لأن الحليب دائماً جاهز، وهو خيار رخيص واقتصادي. بالتالي، الرضاعة الطبيعية لا تدعم فقط صحة الطفل ونموه، بل تحافظ أيضًا على صحة الأم وعافيتها على المدى الطويل، وخلافاً لما هو شائع بين الناس لا تسبب الرضاعة الطبيعية ترهلاً في الثديين.

كيف يمكن زيادة اللجوء لحليب الأمهات في تغذية المواليد بدل الحليب المُصنع من حليب الأبقار[6]؟

أ‌) التقيد الكامل بالمدونة الدولية لقواعد تسويق بدائل حليب الأم وقرارات جمعية الصحة العالمية، بحظر الترويج لهذه البدائل وزيادة عدد أقسام الولادة الصديقة للأطفال في المستشفيات.

ب‌) إنشاء نظم مراقبة لما يجري في أقسام الولادة خاصة في المستشفيات الخاصة للتأكد من عدم إعطاء الأمهات عينات مجانية من الحليب المُصنع ولوازمه.

ت‌) تهيئة الأمهات للبدء بالرضاعة الطبيعية لا بد أن تبدأ مبكراً خلال الأشهر الأخيرة من الحمل، وأهمية إبقاء المولود مع أمه بعد الولادة  مباشرة، من أجل تسهيل التلامس الجسدي الفوري والمستمر بين الأم والمولود وهو إجراء ضروري لإدرار الحليب.

ث‌)  عدم تقديم أي أغذية أو سوائل أخرى غير حليب الأم للمواليد الذين يتغذون على الرضاعة الطبيعية خلال الشهور الستة الأولى.

ج‌)  تقديم المشورة للأمهات المرضعات بشأن أخطار استعمال زجاجات الرضاعة والحلمات الصناعية واللهايات.

ح‌) الدعم المجتمعي بما في ذلك فرق دعم الأمهات والأنشطة المجتمعية لتعزيز الصحة والتثقيف في المجال الصحي.

 

[1] دعم الرضاعة الطبيعية لكوكب أكثر صحة.

[2] منظمة الصحة العالمية (2023). تغذية الرضع وصغار الأطفال. مأخوذ من:

 https://www.who.int/ar/news-room/fact-sheets/detail/infant-and-young-child-feeding

[4] دعم الرضاعة الطبيعية لكوكب أكثر صحة.

[5] دائرة الإحصاءات العامة، مسح السكان والصحة الأسرية 2023.